ملخص المقال
شرع عيد الفطر في أول يوم من شهر شوال بعد الفراغ من عبادة الصيام والقيام وغيرهما من أنواع القربات، فما أحكام عيد الفطر؟
السؤال: أريد أن أعرف بعض السنن والأحكام التي تفعل في العيد.
الجواب:
جعل الله في العيد أحكامًا متعددة، منها:
أولاً: استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة، وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أو يكبر ثلاثًا فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل ذلك جائز.
وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك.
ثانيًا: يأكل تمرات وترًا قبل الخروج للعيد؛ لأن النبي r كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وترًا، ويقتصر على وتر كما فعل النبي r.
ثالثًا: يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي r: "وليخرجن تَفِلات" أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة.
رابعًا: استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف، والغسل للعيد مستحب، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيدًا.
خامسًا: صلاة العيد. وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد، ومنهم من قال: هي سُنَّة. ومنهم من قال: فرض كفاية. وبعضهم قال: فرض عين ومن تركها أثم، واستدلوا بأن النبي r أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد، إلا أن الحُيَّض يعتزلن المصلى؛ لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه.
والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية)، أو يقرأ سورة (ق) في الأولى، وسورة القمر في الثانية، وكلاهما صحَّ به الحديث عن رسول الله r.
سادسًا: إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد، فتقام صلاة العيد، وتقام كذلك صلاة الجمعة، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير الذي رواه مسلم في صحيحه، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة، وإن شاء فليصلِّ ظهرًا.
سابعًا: ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ لأن النبي r صلى العيد ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد مسجد، بدليل منع الحيض منه، فثبت له حكم المسجد، فدل على أنه مسجد، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". وأما عدم صلاته r قبلها وبعدها، فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد.
إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا: ليس لمسجد الجمعة تحية؛ لأن رسول الله r كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته، فلم يصلِّ قبلها ولا بعدها.
والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة؛ لأنها مسألة خلافية، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحًا كل الوضوح، فمن صلى لا ننكر عليه، ومن جلس لا ننكر عليه.
ثامنًا: من أحكام يوم العيد -عيد الفطر- أنه تفرض فيه زكاة الفطر، فقد أمر النبي r أن تخرج قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند البخاري: "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين". وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر؛ لحديث ابن عباس: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور.
تاسعًا: يهنئ الناس بعضهم بعضًا، ولكن يحدث من المحظورات في ذلك ما يحدث من كثير من الناس، حيث يدخل الرجال البيوت يصافحون النساء سافرات بدون وجود محارم. وهذه منكرات بعضها فوق بعض.
ونجد بعض الناس ينفرون ممن يمتنع عن مصافحة من ليست محرمًا له، وهم الظالمون وليس هو الظالم، والقطيعة منهم وليست منه، ولكن يجب عليه أن يبين لهم ويرشدهم إلى سؤال الثقات من أهل العلم للتثبت، ويرشدهم أن لا يغضبوا لمجرد اتباع عادات الآباء والأجداد؛ لأنها لا تحرم حلالاً، ولا تحلل حرامًا، ويبين لهم أنهم إذا فعلوا ذلك كانوا كمن حكى الله قولهم: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
ويعتاد بعض الناس الخروج إلى المقابر يوم العيد يهنئون أصحاب القبور، وليس أصحاب القبور في حاجة لتهنئة، فهم ما صاموا ولا قاموا.
وزيارة المقبرة لا تختص بيوم العيد، أو الجمعة، أو أي يوم، وقد ثبت أن النبي r زار المقبرة في الليل، كما في حديث عائشة عند مسلم. وقال النبي r: "زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة".
وزيارة القبور من العبادات، والعبادات لا تكون مشروعة حتى توافق الشرع. ولم يخصص النبي r يوم العيد بزيارة القبور، فلا ينبغي أن يخصص بها.
عاشرًا: ومما يفعل يوم العيد معانقة الرجال بعضهم لبعض، وهذا لا حرج فيه.
الحادي عشر: ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداءً برسول الله r، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا غيرها، بل تختص بالعيد.
المصدر: مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/216-223) باختصار، نقلاً عن موقع الإسلام سؤال وجواب.
التعليقات
إرسال تعليقك