د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ماذا تعرف عن الدابة التي تكلم الناس آخر الزمان؟
قد يستبعد الناس أمر علامات الساعة الكبرى، ويرون أنهم حتمًا لا يعاصرونها، ومن ثم يزهدون في العلوم الخاصة بها، ولكن دراسة هذه العلامات لها من الأهمية الكثير:
أولًا: هي من الغيب الذي أخبر به النبي ﷺ، فمعرفتها أمر عقدي، حتى لو لم نرها.
ثانيًا: لا ندري لعل الله تعالى يُسَرِّع الأحداث فندركها.
ثالثًا: كان سلوك رسول الله ﷺ يخبر أنه لا يستبعد حدوثها في زمانه هو، ولقد قال في حديث مسلم عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، وهو يصف أمر الدجال: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ..".
رابعًا: الاستعداد لهذه العلامات لا يكون في وقتها، بل ينبغي أن يكون قبل ذلك.
إحدى العلامات الكبرى التي تحدث آخر الزمان هي دابة الأرض:
· جاء الحديث عن هذه الدابة بصورة موجزة في القرآن في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]. وهذا الكلام هو إخبار الناس بكونهم مؤمنين أو كافرين، وكلامها محتوم لا يُغَيَّر.
· وفي الأحاديث الجامعة للآيات العشر للساعة، ومن أشهرها حديث مسلم عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا تَذْكُرُونَ؟ "قُلْنَا: السَّاعَةَ، قَالَ: "إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ".
وخروج هذه الدابة متأخر، وهي مرتبطة بطلوع الشمس من المغرب:
· العلامات الأربع الأولى الدخان، والدجال، والمسيح، ويأجوج ومأجوج.
· بعد ذلك تكون علامتان: طلوع الشمس من المغرب، والدابة التي تكلم الناس. روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا».
o يُستشكل هنا ذكر الرسول ﷺ أن طلوع الشمس من المغرب أول الآيات، قال ابن كَثِيرٍ بقوله: أَيْ أَوَّلَ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، وإن كان الدجال، وعيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ويَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، كُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ مَأْلُوفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ مُشَاهَدَتُهُمْ مَأْلُوفَةٌ، فَإِنَّ خُرُوجَ الدَّابَّةِ عَلَى شَكْلٍ غَرِيبٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ، وَمُخَاطَبَتَهَا النَّاسَ، وَوَسْمَهَا إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ أَوِ الْكُفْرِ، فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْأَرْضِيَّةِ، كَمَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا أَوَّلُ الْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ.
o راوي الحديث عبد الله بن عمرو يرجِّح أن طلوع الشمس من المغرب يكون أولًا؛ فقد قال في رواية أبي داود، وهي صحيحة: "وَأَظُنُّ أَوَّلَهُمَا خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا"، مع أن هذا لم يظهر من كلام النبي ﷺ، ويفسِّر أَبِو زُرْعَةَ، من التابعين، وراوي الحديث عن عبد الله بن عمرو، ذلك بقوله: "وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ"، ويقصد التوراة والإنجيل. ويمكن الاستفادة من هذه الكتب طالما أنها لا تتعارض مع صحيح السُّنَّة، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نفسه في البخاري أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ..». وهو في كل الأحوال لم يجزم.
هناك بعض العلامات الأخرى في أمر هذه الدابة صحَّت في أثر عن حذيفة بن اليمان، وإن لم يرفعها للنبي ﷺ، ولكنها تأخذ حكم المرفوع لأنها لا تعرف إلا بالوحي.
الأثر ورد في الحاكم، على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَذُكِرَتِ الدَّابَّةُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّهَا تَخْرُجُ ثَلَاثَ خَرْجَاتٍ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي، ثُمَّ تَكْمُنُ، ثُمَّ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ الْقُرَى حَتَّى يُذْعَرُوا وَحَتَّى تُهَرِيقَ فِيهَا الْأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ، ثُمَّ تَكْمُنُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ عِنْدَ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ وَأَفْضَلِهَا وَأَشْرَفِهَا -حَتَّى قُلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَا سَمَّاهُ- إِذِ ارْتَفَعَتِ الْأَرْضُ وَيَهْرُبُ النَّاسُ، وَيَبْقَى عَامَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَنْ يُنْجِيَنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ فَتَجْلُو وُجُوهَهُمْ حَتَّى تَجْعَلَهَا كَالْكَوَاكِبِ الدُّرِّيَّةِ، وَتَتْبَعُ النَّاسَ، جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ (جمع رَبْع: الدُّور)، شُرَكَاءُ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَصْحَابٌ فِي الْإِسْلَامِ.
· يكون لها ثلاث خرجات؛ قيل الأولى في اليمن، والثانية قرب مكة، والثالثة بمكة.
· وورد أن الخروج الأخير يكون من جبل الصفا في مكة بجوار الكعبة
· وأول من يستقبلها جماعة من المؤمنين، ثم بعد ذلك تتبع الناس
· وفي مسند عبد الرزاق: ثُمَّ تَنْطَلِقُ، فَلَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ، وَلَا يَفُوتُهَا هَارِبٌ، ثُمَّ تَأْتِي الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي فَتَقُولُ: أَتَتَعَوَّذُ بِالصَّلَاةِ؟ فَتَاللَّهِ مَا كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَتَخْطِمُهُ، وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ، وَتَخْطِمُ وَجْهَ الْكَافِرَ"، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا حُذَيْفَةُ؟، قَالَ: «جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ، وَشُرَكَاءُ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَصْحَابٌ فِي الْأَسْفَارِ».
· أحمد (صحيح)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ، ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ (يدخلون في غمرتكم أي زحمتكم، أو يعمُرُون أي يطول عمرهم) حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ فَيَقُولُ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُخَطَّمِينَ".
الخلاصة: العمل المطلوب: (أمران)
أولًا: الاعتقاد الجازم بصدق ما قاله النبي ﷺ، حتى لو كان غريبًا.
ثانيًا: الاستعداد بالعمل الصالح: فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ (الساعة)، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ (الموت)".
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ"[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك