ملخص المقال
فكرة الموت.. كيف نوصلها للطفل؟
بقلم : فاطمة الشيخ
ونحن نتحدث عن اليتيم لا بد أن نتطرق إلى الموت وكيف نوصّل هذا الجانب للطفل الذي أصيب بفقد والده، أو قريب لديه، لا يد من غرس فكرة أن الموت ليس نهاية اللقاء بين الأحبة ؛ بل بداية مرحلة نلتقي فيها بمن رحلوا وننتظر القادمين إلينا حيث النعيم المقيم ، لابد أن ينظر إلى الموت هذه النظرة ، ونغرس هذا في وجدان الصغار وخاصة عند الصدمة الأولى التي يشوبها البكاء والعويل للأسف من الكبار
لابد من جعل الموت القنطرة التي ستوصلنا إلى لقاء الأحبة وأولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نربط اللقاء أيضًا بالجدة أو الجد أو غيرهم من الشخصيات المحبوبة لدى الطفل وقد توفاها الله. وقد نجعل من رؤية الله ولقائه عند سؤال الطفل المعتاد "أين الله؟" سببًا في جعل الموت لقاء لا فراقًا.
والطفل يعتقد في إمكانية رجوع الموتى إلى الحياة، وهذا المعتقد ليس بعيدًا كل البُعد عن الحقيقة فهو واقعي إذا ما تناولناه من جانب الشريعة الإسلامية، حيث نوصل للطفل أن البعث حقيقي وأن القيامة شيء واقعي، فالموتى سيعودون للحياة من أجل دخول الجنة للصالحين الذين يسلكون السلوك الحسن، فاعتقاد الطفل بعودة الموتى للحياة يجب ألا يقابل بالاستهزاء أو التجاهل، بل يجب أن يستغل ويحوّل إلى عودة الموتى للحياة من أجل دخول الجنة وأن الجنة مكان جميل. على أن نوصل هذه المعلومات للطفل بشكل مشوّق عن طريق القصص القرآني وتفسير القرآن وضرب المثل بقصص الاستشهاديين، وغير ذلك حيث نركز على تصوير الجنة بشكل يجعل الطفل يتوق إليها بشدة ويعتبر الموت شيئًا جميلاً يوصلنا إليها.
يعتقد الطفل أيضًا أن الموت لا يصيبه أو يصيب من يحبهم في مرحلة من مراحل حياته، وهذا الاعتقاد يعالج من خلال أساليب بسيطة خاصة الأدعية التي من المفترض أن نعلمها للطفل عند النوم؛ فيتعود الطفل على سماع احتمال موت الإنسان في أثناء نومه، حيث إن الأرواح تصعد عند الله تعالى فيمسك منها من يشاء ويرد منها من شاء. وهكذا يعرف الطفل أنه معرض هو وأحبته للموت في أية لحظة.
إن تعويد الطفل على تحديد الأهداف من حياته ومعرفته بمدلول الآية الكريمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون) ستجيب عن تساؤلاته حول معنى حياته والهدف منها، وغير ذلك من التساؤلات التي تحاصره في المرحلة الأخيرة لتطور مفهوم الموت عنده.
وهناك أساليب أخرى يمكن للمربي الرجوع إليها، مثل: - ضرورة تعريض الطفل لخبرة الموت عن طريق تعرضه لموت نبات أو حيوان، مما يجعله يختبر الموت قبل أن يتعرض لموت أحد ما. - عدم التعامل باستخفاف مع حالة وفاة حيوان أليف يقوم الطفل بتربيته لما له من ارتباطات عاطفية معه، والتعامل مع هذا الموقف بشكل جدي يتعلم الطفل من خلاله التعامل مع الموت وحيثياته وإجراءات ما بعد الموت من جنازة ودفن وغير ذلك. - اصطحاب الأطفال في الجنائز والعزاء وصلاة الجنازة وغير ذلك من المناسبات المتعلقة بالموت، وتعويدهم على هذا المفهوم وما يحيط به من مشاعر وسلوكيات. - إجابة الأطفال على تساؤلاتهم بشكل إيجابي غير مخيف وغير مهول لمسألة الموت، مع مراعاة مراحلهم العمرية. - تمثيل مشهد الموت والإجراءات المتبعة بعد ذلك من خلال المسرحيات التي يكون الأطفال أبطالها.
خلاصة القول: إن الموت ليس "تابو" نخفيه عن الأطفال بدعوى أنهم لا يفهمون أو أنه لا داعي لإدخال الهم والحزن عليهم فتلك الفكرة مغالطة ندفع ثمنها، ويدفعه الطفل قبلنا عندما يواجه موقف الموت.
مواقف الموت المحزنة
عند الموت، يصبح الجو الأسري مشحونًا بالحزن والانفعال لما يصاحبه من بكاء وغيره من سلوكيات تجعل الموقف برمته جديدًا ومزعجًا للطفل، لكن رد فعل الطفل قد يكون خادعًا، حيث يتسم انزعاجه باللحظية، حيث نراه يلعب ويمرح تارة ويعود لانزعاجه مرة أخرى، فانفعالات الطفل تتسم بعدم الاستمرار وهي وقتية، مما يجعل المحيطين يعتقدون أن الطفل غير مدرك للموقف. ولكن علماء النفس يؤكدون أن استجابة الطفل للموقف بشكل واضح تأتي غالبًا متأخرة، فهو يألم ويحزن للفراق أيضًا مثله مثل البالغين لكنه عكسهم، يعتقد أنه يستطيع التأثير في القدر بحركاته وكلامه، سواء بشكل إيجابي عن طريق تحقيق الأمنيات أو بشكل سلبي عن طريق معاقبته.
يجب على البالغين أن يفهموا الطفل كل الإجراءات التي تتبع الموت، ويحاولوا ما أمكن أن يشركوه فيها. ويقترح بعض علماء النفس أساليب تساعد في التعامل مع الطفل في هذا الموقف، مثل: - مشاركته في الجنازة ورؤية الجثة ووجه الميت إذا كان في حالة مناسبة. - مشاركته في العزاء والحداد وصلاة الجنازة وعدم إبعاده اعتقادًا أن ذلك سيحميه. - طرح أسئلة تخص الموقف والمساعدة في الإجابة عنها. - يجب أن يسمح للطفل بممارسة حياته الطفولية الطبيعية باللعب والمرح رغم مأساة الموقف. - الحديث مع الطفل حول أسباب الوفاة وملابساتها وعن الميت ومواصفاته. - الاهتمام بالطفل خلال هذه الفترة؛ لأن الطفل في هذه الفترة يكون منزعجًا وغير مرتاح. - إفهام الطفل أنه ليس السبب في الوفاة وليس بسبب خطأ صدر منه مات قريبه. - السماح للطفل بأن يعبر عن مشاعره وانفعالاته وبالبكاء إذا ما رغب في ذلك. - حماية الطفل من نظرات الشفقة، سواء من الغريب أو القريب. - إتاحة الفرصة أن يطلع على صور الميت والتسجيلات التي تخصه، كما يسمح له بالاحتفاظ ببعض ما يخص الميت. - الإجابة عن تساؤلاته في هذا الموقف بموضوعية.
حقيقة من حقائق الحياة
يجب أن نعرف أنه ليس من الجائز أو المرغوب فيه إخفاء الموت عن الطفل.. إن حقيقة الموت هي جزء من حقائق الحياة، ومهما طال الزمن أو قصر سوف يصادفها الطفل في طريقه.
إن الموقف الطبيعي من الموت يساعد الطفل على تقبل مفهومه بالتدريج وليس بالقلق الشديد. ومن أجل أن نكون قادرين على الاستماع إلى الطفل والإجابة على تساؤلاته، يجب أن نتعرف أولاً على قلقنا الشخصي تجاه الموت، وأن نستطيع الحديث عنه بحُرية، وهذا الموقف الصريح والمفتوح ييسر بشكل كبير الحوار مع الطفل إذا ما تعرض لموقف الموت أو فقد قريب.
التعليقات
إرسال تعليقك