التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
توسع الفتوحات الإسلامية نحو الغرب مقال لسهيل طقوش يتحدث فيه عن توجه حركة الفتوحات الإسلامية نحو الغرب وأحداث فتح برقة وطرابلس الغرب وتأمين الحدود
بعد أن تمَّ للمسلمين بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح مصر واستقرت الأوضاع بها عَمِل عمرو بن العاص على أن يتوسَّع بالفتوحات الإسلاميَّة ناحية الغرب لفتح برقة وطرابلس؛ ذلك لتأمين الحدود الغربيَّة لمصر.
فتح برقة [1]:
من الصعب استنباط دوافع عمرو بن العاص التوسعيَّة باتِّجاه الغرب في أعقاب فتح الإسكندرية، فقد تكون:
- جزءًا من الخطَّة التي استهدفت مصر.
- أو نتيجةً لظروفٍ طارئةٍ واجهت القيادة العسكريَّة، فارتأت ضرورة تأمين الغطاء الدفاعي
للحدود الغربيَّة بفتح مواقع أخرى تشغلها حامياتٍ عسكريَّةٍ ومراكز مراقبة.
- أو نتيجة غريزة التوسُّع لدى القائد الإسلامي.
الواضح أنَّ الحملة التي قام بها عمرو بن العاص رضي الله عنه في هذا الاتجاه التي أثمرت عن فتح برقة وطرابلس[2] لم تكن عملًا مخطَّطًا له؛ إذ لم تكن هناك خطَّةٌ مسبقةٌ للفتح المنظَّم في ذلك الوقت تتعدَّى مصر، وربما قدَّر عمرو رضي الله عنه أن تكون للبيزنطيين قوَّاتٌ في برقة وطرابلس قد تُغريهم بالتحصُّن هناك والتربُّص حتى تحين الفرصة للثأر والعودة إلى مصر لاستعادتها، فكان عليه فتح هذه المنطقة وتأمين مركز المسلمين في مصر.
لذلك خرج بقوَّاته من الإسكندريَّة في عام (22هـ/ 643م) بعد أن اطمأنَّ على استقرار الأوضاع في مصر، وتوجَّه نحو برقة التابعة للإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وتسكنها قبيلة لواتة البربريَّة[3]. لم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًّا، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متَّصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع، كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يُصادفوا مقاومةً تُذكر، فاستسلمت المدينة ورضي أهلها بدفع الجزية ومقدارها ثلاثة عشر ألف دينارٍ سنويًّا، وتضمَّن الصلح شرطين ملفتين:
الأوَّل: أنَّه أُبيح لسكان برقة أن يبيعوا من أحبُّوا من أبنائهم ليُؤمِّنوا الجزية المفروضة عليهم، ويبدو أنَّ عادة بيع الأبناء كانت شائعةً في أوساط هذه القبيلة، فلم يُحرِّمه المسلمون إلَّا على من أسلم.
الثاني: أنَّه كان على سكَّان برقة أن يحملوا الجزية إلى مصر؛ حتى لا يُسمح بدخول الجباة إلى بلادهم[4]، وأرسل عمرو عقبةَ بن نافع رضي الله عنهما حتى بلغ زويلة[5]، وأضحى ما بين برقة إلى زويلة خاضعًا للمسلمين[6].
فتح طرابلس الغرب:
سار عمرو بن العاص رضي الله عنه من برقة إلى طرابلس، وكانت مرفأً حصينًا فيه حاميةٌ بيزنطيَّةٌ قويَّة، فأقفلت أبوابها واستعدَّ السكان للحصار الذي ضربه المسملون عليهم، وأملوا في تلقِّي إمداداتٍ عن طريق البحر تُساعدهم على الصمود، والمعروف أنَّ الجبهة البحريَّة كانت مفتوحة وغير محصَّنة؛ ذلك بفعل اعتمادها على قوَّة البحريَّة البيزنطيَّة، وانقضت عدَّة أسابيع دون أن يلوح في الأفق ما يُشير إلى إمكان وصول المساعدة المنتظرة، وتعرَّض المدافعون عنها إلى الهلكة نتيجة الجهد في القتال وشدَّة الجوع، وعلم المسلمون آنذاك أنَّ الجهة البحريَّة خالية من الدفاعات وغير محصَّنة، وأنَّهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فدخلت جماعةٌ منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها "الله أكبر" فتردَّدت أصداء التكبير في طرقات المدينة وأزقَّتها، ولمعت سيوف المسلمين بفعل انعكاس أشعَّة الشمس، فذعر المدافعون عن المدينة، ودبَّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمـَّا رأى الحرَّاس فرار الحامية تركوا مراكزهم، فدخل عمرو رضي الله عنه وجيشه إلى المدينة[7].
أرسل عمرو رضي الله عنه فرقًا عسكريَّةً جابت المناطق المجاورة، وسار هو على وجه السرعة إلى مدينة سبرت[8]، وهاجمها صباحًا على حين غرَّة، وذعر السكان وقد ظنُّوا أنَّ المسلمين لا يزالون يُحاصرون طرابلس، واضطروا إلى فتح أبواب المدينة عند أوَّل هجمةٍ إسلاميَّة، واحتوى المسلمون على ما فيها لأنَّها فُتحت عنوة[9].
كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يستأذنه في الزحف إلى تونس وما وراءها من شمال إفريقيَّة فلم يأذن له، وربَّما خشي عمر رضي الله عنه من تفرُّق المسلمين في بلادٍ واسعة ولمـَّا تثبت أقدامهم فيها[10].
تأمين حدود مصر الجنوبية:
تطلَّع عمرو بن العاص -بعد عودته من الغرب- إلى الجنوب لإخضاع بلاد النوبة وتأمين حدود مصر الجنوبيَّة، فأرسل عقبة بن نافع إلى هذه البلاد فقاتله أهلها قتالًا شديدًا ارتدَّ عقبة على أثره ولم يعقد صلحًا ولا هدنة[11]، والمعروف أنَّ أهل النوبة اشتهروا برمي النبل فلا يُخطئون، وكانوا يتحرُّون الأعين فيرمونها فيفقأونها، فسمَّاهم المسلمون رماة الحدق، وظلَّ المسلمون يُناوشون النوبيين من وراء الحدود[12].
المصدر: كتاب تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] برقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدنٍ وقرًى بين الإسكندريَّة وإفريقيَّة، واسم مدينتها أنطابلس، وتفسيره الخمس مدن، بينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر. الحموي: ج1 ص388، 389.
[2] طرابلس: مدينة في شمال إفريقيَّة على شاطئ البحر، ومعناها بالروميَّة والإغريقيَّة ثلاث مدن. الحموي: ج4 ص25.
[3] ابن عبد الحكم: ص294، وابن الأثير: ج2 ص408، وقارن بالحموي: ج1 ص389.
[4] ابن عبد الحكم: ص293-295، والبلاذري: ص225-227.
[5] زويلة: بلدان أحدهما زويلة السودان مقابل أجدابية في البرِّ بين بلاد السودان وإفريقيَّة، وزويلة مدينة غير مسوَّرة في وسط الصحراء، وهي أوَّل حدود بلاد السودان. الحموي: ج3 ص159، 160.
[6] ابن عبد الحكم: ص295.
[7] المصدر نفسه: ص296، والبلاذري: ص227.
[8] سبرت: اسم مدينة بإفريقيَّة، وهي نبارة، وسبرت السوق القديم، ونبارة هي قصبة لكورة طرابلس. انظر ابن عبد الحكم: ص296.
[9] المصدر نفسه.
[10] المصدر نفسه: ص297.
[11] اليعقوبي: ج2 ص49.
[12] البلاذري: ص238، وبلتر: ص448.
التعليقات
إرسال تعليقك