التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الأرمن لهم تاريخ كبير خاصة في ظل الدولة العثمانية، وكانوا يحظون بمكانة كبيرة على الرغم من خياناتهم المتعددة والمستمرة، وتعتبر قضية الأرمن هي من أكثر
لقد كانت هناك مدارس خاصَّة بالأرمن والأكراد وغيرهم مبثوثة في أنحاء الدولة العثمانية، ولكنَّ الأرمن أساءوا استخدام هذه المكرمة الكريمة، فحوَّلوا هذه المدارس إلى مراكز مخابرات لإعداد دُعاة العصيان؛ لإثارة الفتن في الدولة العثمانيَّة، وقد أدرك السلطان عبد الحميد أنَّ السبيل الوحيد للقضاء على الفتن، والحفاظ على وحدة الدولة العثمانيَّة، هو نشْر الأخوَّة الإسلاميَّة، فأنشأ "أفواج الفرسان الحميديَّة" في شرق البلاد، وعيَّن فيها الضبَّاط من الأكراد والأرمن، وسمَح لهم بالترقِّي في هذه الأفواج إلى رُتبة مقدِّم، وعمل على نشْر شعار الأخوة الإسلاميَّة، فكان لهذه الأفواج أثرها الكبير في الدفاع عن قرى المسلمين في شرق الأناضول؛ ممَّا أثار غضب دول أوروبَّا، وظلَّت هذه الأفواج تقوم بدورها حتى ألغتها حكومة الاتحاد والترقِّي رسميًّا سنة (1326هـ = 1908م).
كان طبيعيًّا أن يتحرَّك السلطان عبد الحميد لإسكان الفتن التي يُؤَجِّجها أعداء الدولة في الداخل، مدعومين بالقوى الأجنبيَّة في الخارج، خاصَّةً عصابات الأرمن المدعومة من قِبَل اليونان المهزومين أمام الجيش العثماني سنة (315هـ = 1897م)، يُظاهرهم اليهود -الذين فشِلوا في الحصول على الامتيازات المطلوبة في أرض فلسطين- والروم الحاقدون، وأنصار الاتحاد والترقي، وكان أن اتَّفقت عصابات الأرمن في سويسرا مع إرهابي محترف بلجيكي هو "يوريس" الذم قَدِم إلى إستانبول بصفة سائح، وتمكَّن من وضع قنبلةٍ في سيارة السلطان عند مسجد "يلدذ" الذي كان السلطان يُصلِّي فيه الجمعة، وقد لطف الله بالسلطان عبد الحميد، فتأخَّر في الخروج دقيقتين؛ لأنَّه كان يُحادث شيخ الإسلام جمال الدين، فانفجَرت السيارة وهو على سُلَّم المسجد، ونجا السلطان.
عاش الأرمن في الدولة العثمانية -كما عاش غيرهم من الأقليَّات الدينيَّة- عيشةً كريمة؛ وَفْقًا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة مع أهلِّ الذِّمَّة، وفي حكومة الاتحاد والترقي، تَسَاوَى الأرمن وغيرهم -مع كثيرٍ من المحاباة الماكرة- في كافَّة الحقوق السياسيَّة؛ لدرجة أنَّ "جبريال نورادونكيان" الأرمني قُلِّد وزيرًا للخارجيَّة في الدولة العثمانيَّة.
خيانة الأرمن
وقد تنكَّر الأرمن لهذا كلِّه، وبدءوا بالعصيان استنادًا إلى المادَّة (61) من معاهدة برلين، وبتحريض من روسيا، فتشكَّلت عصابات جمعيَّة (خنجاق) سنة (1886م)، وجمعيَّة (الطاشناق)، وأخذتا تُمارسان الإرهاب في الديار العثمانيَّة.
وفي الحرب العالمية الأولى استغلَّ الأرمن الفرصة، وأظهروا حقدهم وخُبثهم، فحين سلَّمهم الروس مدينة "وان" أشاعوا فيها القتل والتدمير.
والجدير بالذكر أنَّ عدد الأرمن في تلك الفترة لم يكن يُجاوز 5% من عدد السكان، ولم تُفلِح كلُّ التدابير لوقف خياناتهم وفسادهم، ولم يكن من الممكن القضاء عليهم جميعًا؛ لأنَّ الإسلام يُحرِّم ذلك، فكان لا بُدَّ من تدبيرٍ حكيمٍ؛ يُطابق عدل الإسلام، ويمنع اتصالهم بالروس المعتدين، فصدر قرار وزير الداخليَّة "طلعت بك" في عام 1915م، بتهجير نصف مليون منهم، وقد مات عددٌ منهم أثناء التهجير لظروف المناخ والطريق، ولانتقام بعض الأهالي منهم؛ فقد كان مجموع من قتَله الأرمن من المسلمين يربو على مليون ونصف مليون مسلم.
إنَّ الدولة العثمانيَّة كانت تلتزم بأحكام الإسلام، وأحكام الإسلام معلومةٌ بالنسبة إلى أهل الذِّمَّة، ما داموا ملتزمين بعقد الذِّمَّة، ولم يُحالفوا أعداء الإسلام ضدَّ المسلمين؛ ولأنَّ الأرمن كانوا خونة، ساعدوا كلَّ أعداء الدولة العثمانيَّة، فقد هُجِّروا كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير وبني قينقاع من المدينة حين خانوا -وهم مواطنون ذمِّيُّون- صحيفة المدينة (الدستور) .
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914- 1919م)، كان رجال الأرمن يَذبحون أطفال المسلمين في المناطق التي يستولون عليها، وكان المسلمون -كردِّ فعلٍ- يذبحون أطفال الأرمن في المناطق التي يُسيطرون عليها.
شاهد عيان: بديع الزمان سعيد النورسي
ولكن بديع الزمان (سعيد النورسي) رفَض هذا الفعل المنافي للإسلام، عندما كان شاهد عيان يعمل في الجيش، وحدث أنَّه جُمِّع ألوفٌ من أطفال الأرمن في المنطقة التي يُسيطر عليها النورسي، فأمر بإطلاق سراحهم جميعًا، ثم عادوا إلى عوائلهم التي كانت بعيدةً عنهم، خلف الخطوط الروسيَّة؛ ممَّا كان له أكبر الأثر في امتناع الأرمن عن قتْل أطفال المسلمين، وتعاهد الفريقان على ذلك.
وحين استولى الروس على مناطق "وان" و"موش"، وواصلوا هجومهم على "بتليس"- رفض "بديع الزمان" الانسحاب من "بتليس"، مع أنَّ الوالي "ممدوح بك" والقائد"كل علي"، هما اللذان طلبا ذلك؛ نظرًا إلى قوَّة المهاجمين، وقلَّة عدد المدافعين من القوَّات النظاميَّة والمتطوِّعة.
لكن النورسي رفض الانسحاب وقال لهما: إنَّ هذا الفعل سيجعل الأهالي الذين التجئوا إلى "بتليس" من المناطق الأخرى، وأهالي "بتليس" نفسها- تحت رحمة المهاجمين، ومِنْ ثَمَّ فلا بُدَّ من الثبات والدفاع عن "بتليس" وما بها حتى الموت!
هنالك قال له الوالي والقائد: إنَّ هناك ثلاثين مدفعًا في "موش" التي كانت قد سقطت قبل ذلك، فإن استطاع -النورسي- أن يأتي بهذه المدافع إلى "بتليس"، فيمكن حينئذٍ الدفاع عنها، وإعطاء الفرصة للأهالي؛ كي ينتقلوا إلى مكانٍ آخر آمنٍ، وعلى الفور توجَّه "النورسي" هو وثلاثمائة من المتطوِّعين ووصلوا إلى "نورشين" ليلًا؛ حيث سحب الأعداء المدافع إليها، واستطاع بديع الزمان ورجاله أن يُشيعوا أنَّه قد أتى ومعه ثلاثة آلاف مقاتل إلى نورشين، فقذف الله الرعب في قلوب الجنود الذين كانوا يتوَّلون حراسة تلك المدافع، واستطاع هو ومن معه من المتطوِّعة أن يذهبوا بالثلاثين مدفعًا إلى "بتليس"؛ ممَّا كان له أكبر الأثر في صمودها أمام هجوم الأعداء، وتمكَّن الأهالي من الجلاء عنها إلى أماكنَ آمنة.
وقد كان (بديع الزمان) لا يلتجأ إلى الخنادق ليحتمي بها، وكان دائم الحركة في الخطوط الأولى؛ لبثِّ الشجاعة في صفوف المقاتلين، غير أنه -ذات مرَّة- خطر له أنَّ ذلك الموقف منه ربَّما خالطه رغبته في حبِّ الظهور ومخالفة الإخلاص، فعاد سريعًا إلى الخنادق مع جنوده.
وبعد ثماني سنين من ترْك "بديع الزمان" لبلدته "وان"، عاد إليها، وكان أوَّل شيءٍ فعله أن ذهب إلى مدرسته "خورخور"، فوجدها قد تهدَّمت، ووجد القلعة الحصينة العتيقة -التي تقع المدرسة أسفلها- قد تهدَّمت هي الأخرى، لقد كانت تلك القلعة كتلة من صخرة صَلدة، صعد (النورسيُّ) إليها واعتلاها؛ ليرى الأرمن قد هدموا كلَّ شيءٍ فيها؛ البيوت، والمدرسة، والجامع، وكلَّ شيء، ولم يبقَ غير حيِّ الأرمن، الذين عاثوا في البلدة كلِّها فسادًا أثناء الاحتلال الروسي لها، لقد هدموا المباني، وقتلوا الناس، وأخذ (النورسيُّ) يستعرض في خياله كلَّ تلامذته الذين استُشهِدوا إبَّان تلك الهجمة الشرسة.
أحسَّ النورسي بحزنٍ شديدٍ يتملَّكه من فراق كلِّ هؤلاء الأحبَّة، واستشعر ما سجَّله الشعراء والأُدباء عن الفراق، وأحسَّ بأنَّ الموت خيرٌ من هذه الحياة، وكان في حاجةٍ إلى من يُثبته، فقَفز إلى ذهنه أنَّ الله هو المحيي المميت، وكل شيءٍ عنده بمقدار، وأنَّ هؤلاء الذين ماتوا ربَّما كان موتهم خيرًا لهم؛ إذ صاروا شهداءَ، ونجوا من نار الفتن، فعادت إليه سكينة الإيمان.
التعليقات
إرسال تعليقك