التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
معركة إلبيرة من المعارك التي سحق مسلمو الأندلس فيها جيوش قشتالة سحقًا تامًّا، فكانت بداية جديدة لانتصارات عديدة تعاقبت على إثرها.أهم مقتطفات المقال
وعلى إثر موقعة إلبيرة تعاقبت غزوات المسلمين في أراضي الأندلس، وعادت الدولة الإسلامية الفتيَّة تجوز عهدًا من القوَّة بعد أن لاح أنَّها شارفت طور الفناء..
على إثر موقعة إلبيرة الأندلسيَّة التي نحن بصدد الحديث عنها تعاقبت غزوات المسلمين على أراضي الأندلس من جديد، وعادت الدولة الإسلاميَّة الفتيَّة تجوز عهدًا من القوَّة بعد أن لاح أنَّها شارفت طور الفناء.
أسباب المعركة إلبيرة
في سنة (713هـ= 1314م) جلس السلطان أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر على عرش غرناطة، وامتاز عصره بتوطُّد الملك واستقرار الأمور وإحياء عهد الجهاد، وفي أوائل عهده غزا القشتاليُّون مدينة غرناطة واستولوا على عددٍ من القواعد والحصون، وهزموا المسلمين هزيمةً شديدةً في وادي فرتونة سنة 716 ه.
ولمـَّا رأى القشتاليُّون نجاح غزوتهم اعتزموا منازلة الجزيرة الخضراء [1] والاستيلاء عليها ليحولوا دون وصول الأمداد إلى المسلمين من المغرب، ولكنَّ السلطان إسماعيل بادر إلى تحصينها، وجهَّز الأساطيل لحمايتها من البحر، فعدل القشتاليُّون عن مشروعهم، وعوَّلوا على مهاجمة غرناطة نفسها [2]، فقلق ابن الأحمر وطلب النجدة والإمداد من السلطان أبي سعيد سلطان المغرب فرفض معاونته [3].
المسير إلى أرض معركة إلبيرة
زحف القشتاليُّون على غرناطة بجيشٍ ضخم، يقوده الدون "بيدرو" والدون "خوان" الوصيَّان على ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة حينذاك، ومعهما عددٌ من الأمراء القشتاليِّين [4]، قيل: إنَّهم خمسٌ وعشرون ملك [5]، وفرقةٌ أخرى من المتطوِّعة الإنجليز بقيادة أمير إنجليزي [6]، وكان "دون بيدرو" قد ذهب إلى البابا في طليطلة، وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين بالأندلس فوافقه البابا على ذلك [7].
بادر المسلمون إلى لقائهم في هضبة إلبيرة على مقربةٍ من غرناطة، وكان الجيش الغرناطي لا يجاوز ستة أو سبعة آلاف جنديٍّ منهم نحو ألف وخمسمائة فارس، ولكنَّهم صفوة المقاتلة المسلمين، وكان قائده شيخ الغزاة أبو سعيد عثمان بن أبي العلاء جنديًّا جريئًا وافر العزم والبسالة، فلم ترعه كثرة الجيش المهاجم، وعوَّل في الحال على لقائه في معركةٍ حاسمة [8].
معركة إلبيرة الحاسمة
في (20 من ربيع الثاني سنة 718ه= مايو سنة 1318م) التقى فرسان الأندلس بطلائع النصارى وردُّوهم بخسارةٍ فادحة، ثم زحف أبو سعيد في نخبةٍ من جنده، ونشبت بين الفريقين موقعةٌ شديدة، كانت الدائرة فيها على القشتاليِّين؛ فقد استمرَّ القتل والأسر فيهم ثلاثة أيَّامٍ فمُزِّقوا شرَّ ممزَّق، وقُتِل منهم عددٌ كبير، بينهم القائدان دون بيدرو ودون خوان، ورهطٌ كبيرٌ من الأمراء والنبلاء والأحبار، وغرق منهم عند الفرار في نهر شنيل عددٌ كبيرٌ أيضًا [9].
وكان عدد القتلى في هذه المعركة يفوق خمسين ألفًا، ويُقال: إنَّه هلك منهم بالوادي مثل هذا العدد لعدم معرفتهم بالطريق، وأمَّا الذين هلكوا بالجبال والشِّعاب فلا يُحصون، وقُتِل الملوك الخمسة والعشرون جميعهم، ومن العجب أنَّه لم يُقتل من المسلمين والأجناد سوى ثلاثة عشر فارسًا، وقيل: عشر أنفسٍ فقط [10].
بعد المعركة
خرج أهل غرناطة فرحين مستبشرين يجمعون الأموال والأسرى، فاستولوا على أموالٍ عظيمة منها من الذهب فيما قيل ثلاثة وأربعون قنطارًا، ومن الفضة مائة وأربعون قنطارًا، ومن السَّبي سبعة آلاف نفس، وكان من بين الأسرى امرأة دون بيدرو وأولاده، واستمرَّ البيع في الأسرى والدوابِّ ستَّة أشهر [11].
وكان معظم الفضل في إحراز هذا النصر يرجع إلى الجند المغاربة، وإلى شيوخهم بني العلاء الذين تزَّعموا الجيوش الأندلسيَّة، وتولُّوا قيادتها في تلك الفترة، وقد وضع المسلمون جثَّة "الدون بيدرو" في تابوتٍ من ذهب على سور الحمراء تنويهًا بالنصر، وتخليدًا لذكرى الموقعة [12].
وعلى إثر موقعة إلبيرة تعاقبت غزوات المسلمين في أراضي الأندلس، وعادت الدولة الإسلامية الفتيَّة تجوز عهدًا من القوَّة بعد أن لاح أنَّها شارفت طور الفناء [13].
[1] الجزيرة الخضراء: مدينة مشهورة بالأندلس، بينها وبين قرطبة خمسة وخمسون فرسخًا، ويُقال لها جزيرة أم حكيم، وهي جارية لطارق بن زياد، كان حَمَلها معه فتخلَّفها بهذه الجزيرة فنُسِبت إليها. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان، دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية، 1995م، 2/136، والحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، طبع على مطابع دار السراج، الطبعة الثانية، 1980م، ص223.
[2] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1417هـ= 1997م، 5/ 117، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، مؤسسة علوم القرآن، منار للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ= 2003م، 2/ 158.
[3] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1900م، 1/ 449، 450.
[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 118، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 158.
[5] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 449.
[6] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 118، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 158.
[7] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 449.
[8] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 118، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 158، 159.
[9] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 118، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 159.
[10] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 450، 451.
[11] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 450، 451.
[12] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 118، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 159.
[13] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 5/ 120، ومحمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، 2/ 160.
التعليقات
إرسال تعليقك