ملخص المقال
مذهب الإمام مالك من المذاهب المتبعة في كثير من بلاد العالم الإسلامي، ويرجع ذلك إلى قدرة الإمام التربوية على إخراج جيل قادر على نقل المعلومة من بعده.
مذهب الإمام مالك من المذاهب المتَّبعة في كثير من بلاد العالم الإسلامي إلى زماننا الآن، وقد كان أحد أبرز أسباب ذلك قدرة الإمام التربوية على إخراج جيل قادر على نقل المعلومة السليمة إلى من بعده، والحفاظ على هيكل المذهب دون تحريف.
أدب مالك قبل علمه:
قال ابن وهب: الذي تعلمنا مِنْ أَدَبِ مَالِكٍ، أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِنْ عِلْمِهِ.
وقال يحيى بن يحيى التميمي: أقمت عند مالك بن أنس بعد كمال سماعي منه سنة أتعلم هيئته وشمائله؛ فإنها شمائل الصحابة والتابعين ونحو هذا.
· (أعظم وسائل التربية: التربية بالقدوة): كانت كلمات مالك موافقة لأعماله وسلوكه، وهذا ما جعل لها ثقلًا عند طلابه.
أولًا: الإخلاص، والتحذير من طلب ما عند الناس:
قَالَ سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ لِابْنِ وَهْبٍ: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِمَا طَلَبْتَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَيَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ أُمَمًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا تَعَلَّمْتَ طَلَبَ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي يَدَيْكَ شَيْءٌ»، وقال لابن وهب: أدِّ ما سمعت وحسبك، ولا تحمل لأحد على ظهرك، فإنه كان يُقال: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه. وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجِيبَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَيْفَ يَكُونُ خَلَاصُهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ يُجِيبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "لَكَأَنَّمَا مَالِكٌ وَاللَّهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؛ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ".
ثانيًا: اجتناب المعاصي:
فالمعاصي أولًا تطفئ نور العلم، وثانيًا تزري بصاحبها عند الناس، قال الشافعي: لما سرت إلى المدينة ولقيت مالكًا وسمع كلامي، نظر إليَّ ساعة، وكانت له فراسة، ثم قال لي: ما اسمك؟ قلت: محمد. قال: يا محمد، اتَّقِ اللَّهَ، وَاجْتَنِبْ الْمَعَاصِيَ؛ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ شَأْنٌ من الشأن. وفى رواية أنه قال له: إن الله تعالى قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا فَلَا تطفئه بالمعصية». وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ حِينَ أَتَى مَالِكًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
·المعاصي تزري بصاحبها: قال ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُوْلُ: حَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُوْنَ له وَقَارٌ، وَسَكِيْنَةٌ، وَخَشْيَةٌ"
ثالثًا: تقدير ما تحمله من العلم، وإعطاؤه الهيبة المطلوبة دون تكبُّر:
قال ابن أبي أويس: كان مالك إذا جلس للحديث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة. ثم حدث فقيل له في ذلك، فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنًا وكان يكره أن، يحدث في طريق قائمًا ومستعجلًا وقال: أحب أن أفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: "كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْحَدِيثِ اغْتَسَلَ، وَتَبَخَّرَ، وَتُطَيَّبَ، فَإِنْ رَفَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ فِي مَجْلِسِهِ زَبَرَهُ، وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] فَمَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فَكَأَنَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
و«قال الواقدي: وكان مجلسه مجلس وقار وعلم، وكان رجلًا مصيبًا نبيلًا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت، إذا سئل عن شيء فأجاب سائله لم يقل له: من أين رأيت هذا؟».
رابعًا: التحذير من التشوُّف للتدريس، والإعجاب بالنفس:
قال مالك: ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للفتيا والحديث جلس، بل حتى يشاور أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه أهلا لذلك جلس. قال: وما جلست حتى شهد سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع لذلك.
وقال: ينبغي للرجل إذا خُوِّل علمًا، وصار رأسًا يشار إليه بالأصابع، أن يضع التراب على رأسه، ويمتهن نفسه إذا خلا بها، ولا يفرح بالرئاسة، فإذا اضطجع في قبره، ووَسَّدَ الترابَ رأسَه ساءه ذلك كلُّه.
وقال لا يكون إمامًا من حدث بكل ما سمع.
ووقال إن المسألة إذا سئل فيها الرجل ولم يجب واندفعت عنه، فإنما هي بلية صرفها الله عنه.
خامسًا: الاهتمام بالجوانب العملية
قال لأبي مسهر: لا تسأل عما لا تريد فتنسى ما تريد، فإنه من اشترى ما لا يحتاج إليه باع ما يحتاج إليه.
قال ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَجَاءَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ وَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَمَعْتُ كُتُبِي وَقُمْتُ لِأَرْكَعَ فَقَالَ لِي مَالِكٌ: «مَا هَذَا؟» قُلْتُ: أَقُومُ لِلصَّلَاةِ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَمَا الَّذِي قُمْتَ إِلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِنَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ فِيهِ».
سادسًا: الاهتمام بنوابغ الطلاب:
«وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الليثي عِنْدَ مَالِكٍ فَقِيلَ: هَذَا الْفِيلُ فَخَرَجُوا لِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: لِمَ لَمْ تَخْرُجْ لِنَظَرِ الْفِيلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِبِلَادِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرْحَلْ لِأَنْظُرَ الْفِيلَ وَإِنَّمَا رَحَلْتُ لِأُشَاهِدَكَ وَأَتَعَلَّمَ مِنْ عِلْمِكَ وَهَدْيِكَ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَسَمَّاهُ عَاقِلَ الْأَنْدَلُسِ، وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِيَاسَةُ الْفِقْهِ بِهَا».
قال الذهبي: "ثم لم يزل بعد مكرمًا له" هذا الرجل صار راويًا لواحدة من أشهر نسخ الموطَّأ[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك