الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يعد الجامع الأزهر من أهم معالم مصر الإسلامية، وهو معلم لا يجهله مسلم على وجه الأرض.
مدينة القاهرة من المدن العريقة، وقد أسَّسها جوهر الصقلي في عهد المعز لدين الله الفاطمي عام 359هـ= 970م، وهي تعتبر متحف آثار مفتوح، به الآثار الفرعونية، واليونانية، والرومانية، والقبطية، والإسلامية، وتضمُّ عددًا من المدن الإسلامية التي سبقتها، كالفسطاط، والعسكر، والقطائع، وتشمل آثارها الإسلامية عدة دول إسلامية كبرى.
ومن أهم معالم مصر الإسلامية الجامع الأزهر وهو معلم لا يجهله مسلم على وجه الأرض، والجامع الأزهر أياديه البيضاء على الأمة الإسلامية لا تُنكر، وله إسهاماته العلمية والتشريعية والسياسية والاجتماعية، بل يعتبر في نظر الكثير من دول العالم هو الممثل الرسمي للمسلمين.
أنشأ الأزهر عام 359هـ= 971م على يد جوهر الصقلي، وقد رُصِدت أوقاف كثيرة لرعاية الأزهر، وساهم في هذه الأوقاف الخلفاء والأمراء ورجال الاقتصاد، وهذا ما كفل له الاستمرارية بشكل لافت، ومع أن الأزهر بُنِي في الأساس لنشر المذهب الإسماعيلي الشيعي، إلا أن الله شاء أن يصبح من أكبر منارات السُّنَّة في العالم. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
لم يبقَ الأزهر جامعًا فقط، إنما تحوَّل إلى جامعة علمية رصينة وصارت له فروع كثيرة للغاية، فله 88 كلية في 18 مدينة مصرية، بالإضافة إلى 10 آلاف معهد في معظم المدن المصرية، وأعضاء هيئة التدريس يبلغون 15.155 عضوًا، وقلَّ أن تجد بلدًا في العالم، مسلمًا كان أو غير مسلم، إلا وتجد للأزهر فيه دور، وعلماء الأزهر يجوبون العالم أجمع، والطلبة من كل بلاد العالم يصيرون أئمة الفتوى في بلادهم عند العودة إليها بعد الدراسة في الأزهر، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الوافدين للدراسة بالأزهر وصل إلى 40 ألف سنويًا من 107دولة في العالم، وبناء على ذلك فإن الأزهر يخدم نصف مليون طالب سنويًّا.
أيضًا أحد أهم وجوه الأزهر الحضارية أروقة الأزهر، وهي عبارة عن منزل معد لسكن الطلبة، ينقسم إلى غرف ومرافق، وبكل غرفة دواليب للملابس والكتب، وقد كان الخليفة العبيدي العزيز بالله أوَّل من بنى سكنًا للطلبة، ثم أخذ الأمراء والوزراء وأغنياء مصر، وبعض من الترك والمغاربة في السباق في تعمير الأزهر وتكبيره بتشييد الأروقة للمجاورين، وكان لكل رواق شيخه ينتخبه الطلبة ليكون مراقبًا عليهم في غير العلوم، ويفصل بينهم في الخصومات، ويدافع عن حقوقهم ويلاحظها، ويخاطب في شأنها شيخ الجامع، وأُعدَّت بجانب هذه المساكن أماكن للغسل والوضوء، وغيرها لطبخ الطعام، ووُصِلت بالجامع بحيث لم يعد الطالب يحتاج الخروج منه إلا نادرًا كأنه في بيته ومدرسته، وهذه المساكن سهَّلت على الطلبة غربتهم للتعلم، ونشطت الفقير، وجلبته من أقاصي البلاد، وآخت بين أفراد الأمَّة، كلُّ رواقٍ مفروشٌ بحصيرٍ تُغيَّر كلَّ ستَّة أشهر، ويلحق بالرواق الحارة؛ وهي شبه رواق تختلف عنه بعدم وجود مكان للنوم بها، ومن أمثلتها: حارة البشابشة، وحارة السليمانيَّة، وحارة المناصرة، وحارة الممشا، وحارة الجيزاويَّة.
ومن أمثلة الأروقة:
أوَّلًا: الأروقة المصريَّة: رواق الصعايدة - رواق البحيرة - رواق الحنفيَّة - رواق الفشنيَّة - رواق الشراقوة - رواق الحنابلة ومن الروائع أيضًا: زاوية العميان؛ وهي رواقٌ خاصٌّ بهم لا يسكنه إلَّا كفيفو البصر وشيخهم منهم كذلك.
ثانيًا: أروقة الأقاليم الإسلاميَّة الأجنبيَّة عن مصر: رواق الحرمين الشريفين: لسكَّان الحجاز- دكارنة دارفور: لأهل دارفور من السودان- الشوام: لأهل الشام- الجاوة: لأهل جزيرة جاوة وما جاورها- السليمانيَّة: لأهل أفغانستان- المغاربة: وبه أقسام: لمراكش، والجزائر، وتونس، وطرابلس- الأتراك: للترك- الجبرت: للأحباش- اليمن: لأهل اليمن وحضرموت- الأكراد: للأكراد- الهنود: لأهل الهند.
أيضًا كان هناك العطاء المادي أيضًا وهو على ثلاثة أقسام: القسم الأوَّل: مرتَّب مالي يُعطى كلَّ مدرسٍ وعددًا من الطلبة كلِّ شهر، والقسم الثاني: خبز يُعطى كلَّ مدرسٍ وعددًا من الطلبة كلِّ يوم. وكان يُسمَّى الجراية، والقسم الثالث: المآكل والملبوسات تُعطى في المواسم ثم استُبدلت بعوضٍ ماليٍّ.
وبالنسبة لجراية الخبز فهي مثال باهر على روعة إدارة أوقاف الأزهر: ظلَّت جراية الخبز زمنًا طويلًا تُوَزَّع على طلبة الأزهر ومشايخه من ريع الأوقاف التي رُصِدت لهذا الأمر حتى عام 1929م، فقد صدر قانون باستبدال جراية الخبز بالنقود على أن يُحدَّد ثمن الخبز مرَّتين كلَّ عام عن طريق لجنةٍ خاصَّة.
مدينة البعوث الإسلامية:
أنشئت مدينة البعوث الإسلامية في عام 1959م، وذلك لأن مع تزايد عدد الطلاب الوافدين، ضاقت بهم أروقة الأزهر، فخُصِّصت مدينة للبعوث الإسلاميَّة في القاهرة والإسكندرية لإقامة وإعاشة الطلاب الوافدين للدراسة؛ ويُقيم بالمدينتين أكثر من أربعة آلاف طالبٍ وطالبة، ويجرى الآن إنشاء مدينة ثالثة للبعوث بمحافظة قنا لزيادة أعداد الطلاب الوافدين المستفيدين منها، كما جاري إنشاء مدينة جديدة في القاهرة بدعم سعودي لاستيعاب 40 ألف طالب[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك